أدى دخول الذكاء الاصطناعي في كل جانب من جوانب حياتنا إلى تغييرات لا مفر منها، بما في ذلك صناعة السياحة والضيافة، حيث يلعب البشر دوراً مركزياً كمستهلكين أو عاملين في الصناعة. كما تسبب دخول التكنولوجيا في تغييرات على العرض والطلب، سواء على الجانب الإنساني أو المادي. هذا التغيير الدراماتيكي يعني أنه يجب علينا أن نتوقع ونهيئ أنفسنا لاحتمال ألا يكون موظفو السياحة أو الضيافة بشراً، وينطبق ذلك على المستهلكين أيضاً. لذلك، سنحتاج إلى تبني فهم أوسع للروبوتات والتقنيات المؤتمتة، سواء كنا مزودي خدمات أو مستهلكين.
حالياً، تبدو الروبوتات غير مألوفة في التواصل والتنقل والخدمة في الفنادق والمطاعم والمطارات. ولكن مع تقدم التكنولوجيا، يمكننا أن نتوقع أن تصبح الروبوتات أكثر قدرة على تقديم الخدمات وأداء مجموعة متنوعة ومتعددة من المهام.
ولذا فإن السؤال هو: كيف ستغير الروبوتات والذكاء الاصطناعي والأتمتة قطاع السياحة في المستقبل القريب؟
لا شك أن إدخال التقنيات الجديدة في كل جانب من جوانب الشركات، خاصة في شركات السفر والضيافة، سيؤثر على جودة الخدمات التي تقدمها هذه الصناعة. وسينعكس ذلك أيضاً على كيفية تعاونها أو تعاملها أو تنافسها مع الشركات الأخرى في السوق، وكذلك على أنشطتها الداخلية التالية:
تقديم الخدمات باستخدام الروبوتات
تقديم الخدمات باستخدام الروبوتات في العملية التشغيلية يتطلب تغييرًا جذرياً في أدوار جميع المشاركين. عندما تبدأ الأتمتة في السيطرة على بعض العمليات، ستشهد زيادة تدريجية في اعتماد المستهلكين على أنفسهم في إتمام الخدمة. على سبيل المثال، سيصبح من المعتاد أن يقوم العملاء باستخدام أجهزة الخدمة الذاتية مثل: الروبوتات أو الأكشاك الإلكترونية لإتمام العمليات التي كانت في السابق من اختصاص الموظفين. هذا التحول يتطلب من المستهلكين تعلم مهارات جديدة واكتساب القدرة على التفاعل مع التكنولوجيا بشكل أكثر فعالية.
نتيجة لهذه التغييرات، سيتحمل المستهلكون مسؤولية أكبر في عملية تقديم الخدمة. حيث أن الأتمتة ستنقل جزءاً كبيراً من المهام التشغيلية من عاتق مزودي الخدمة إلى المستخدمين أنفسهم. سيكون عليهم مثلاً تفعيل الروبوتات، اختيار الخدمات المطلوبة، وربما حتى التعامل مع المشاكل الفنية البسيطة. هذا التغيير لن يقتصر على جانب واحد من العملية، بل سيمتد ليشمل جميع مراحلها، مما يجعل دور العميل أكثر تفاعلاً وتكاملاً مع التكنولوجيا.
بالتالي، سيتحول المستهلكون إلى مشاركين فعليين في العملية التشغيلية، وليسوا مجرد مستفيدين من الخدمة. فهم لن يقتصر دورهم على استقبال الخدمة فحسب، بل سيصبحون جزءاً أساسياً من آلية تنفيذها. هذا التحول قد يؤدي إلى تغير في توقعات العملاء ودورهم في التجربة الخدمية، مما يعزز من أهمية تطوير أنظمة سهلة الاستخدام وتوفير الدعم الكافي للمستخدمين. في النهاية، سيصبح العملاء مستخدمين فعليين لتقنيات الخدمة، مما يتطلب منهم قدرة أكبر على التأقلم مع البيئة التشغيلية الجديدة.
إعادة تصميم عملية الخدمة
علاوة على ذلك، فإن تنفيذ التقنيات الجديدة في عملية الخدمة سيتطلب إعادة تصميم شاملة لكافة جوانب العملية التشغيلية. هذا يعني أن الأنشطة الحالية والإجراءات المتبعة والضوابط القائمة ستحتاج إلى مراجعة دقيقة وإعادة صياغة لتتناسب مع الإمكانيات والتحديات التي تجلبها التقنيات الحديثة. على سبيل المثال: قد تستلزم هذه التقنيات إلغاء بعض الخطوات اليدوية أو تقليل عدد العاملين في وظائف معينة. مع التركيز على تطوير مهارات جديدة للعاملين ليتمكنوا من التعامل مع التقنيات الآلية.
بالإضافة إلى ذلك، يجب أن يتم إنشاء تعليمات وإرشادات جديدة تتلاءم مع التغييرات المطلوبة. هذه التعليمات ستكون ضرورية لضمان أن جميع المشاركين في العملية التشغيلية يعرفون كيفية التعامل مع التقنيات الجديدة ويستطيعون استخدامها بشكل فعال. وهذه التعليمات يجب أن تكون واضحة وبسيطة. بما يكفي لتجنب أي تعقيدات قد تنشأ خلال التطبيق العملي.
بالتالي، ستحتاج العملية التشغيلية ككل إلى تبني طريقة جديدة لتخطيط النشاط التشغيلي. هذه الطريقة الجديدة ستشمل استخدام الأدوات التكنولوجية بشكل أوسع لتخطيط ومراقبة الأنشطة بشكل مستمر. بما في ذلك تحديد الأوقات المناسبة لتشغيل التقنيات الآلية. وضمان أن العمليات تتم بكفاءة وبما يتماشى مع الأهداف البيئية المستدامة.
بهذا الشكل، لن تقتصر مساهمة الروبوتات والتقنيات الآلية على تحسين الكفاءة التشغيلية فحسب. بل ستساهم أيضاً بشكل فعال في تعزيز الجانب المستدام لعمليات الحفاظ على البيئة والطبيعة. فهذه التقنيات يمكن أن تقلل من استهلاك الموارد الطبيعية وتحد من التلوث الناتج عن العمليات التقليدية، مما يجعلها خياراً جذاباً للشركات التي تسعى لتحقيق أهداف بيئية واجتماعية.
تقليل الموارد والهدر
بالإضافة إلى ذلك، فإن استخدام التقنيات الجديدة سيؤدي إلى تقليل كمية الموارد المستخدمة بشكل ملحوظ. بمعنى آخر، ستسهم هذه التقنيات في تقليل الهدر عن طريق تحسين كفاءة العمليات. والتأكد من أن الموارد تُستخدم بطريقة مثلى دون إضاعة. هذا التحسين في إدارة الموارد سيترجم إلى تقليص الإجراءات غير الضرورية. حيث ستتمكن الأنظمة الآلية من تحديد وإزالة الخطوات التي لا تضيف قيمة حقيقية إلى العملية.
وسيساهم هذا التحول في تقليل استهلاك الطاقة والعمالة. فالتقنيات الآلية مصممة لتعمل بكفاءة عالية، مما يعني أنها ستحتاج إلى طاقة أقل لتشغيلها مقارنة بالعمليات اليدوية التقليدية. وبالإضافة إلى ذلك، سيسمح تقليل الاعتماد على العمل اليدوي بتخصيص العمالة المتبقية لمهام أكثر تعقيدًا وإبداعية، مما سيؤدي إلى تحسين الإنتاجية العامة وتقليل التكاليف المرتبطة بالقوى العاملة. بهذه الطريقة، ستتمكن الشركات من تحقيق توازن أفضل بين الكفاءة التشغيلية والاستدامة البيئية.
الذكاء الاصطناعي والتصميم الداخلي:
يتسبب استخدام الروبوتات في الفنادق والمطاعم والمطارات، وغيرها من الأماكن، في إعادة تصميم البنية التحتية والتصاميم الداخلية لهذه المواقع لتتكيف مع مجموعة كبيرة ومتنوعة من الروبوتات المتحركة، سواء كانت ذات عجلات أو أطراف، أو تلك التي تطير أو تزحف تحت الماء، وحتى الطائرات بدون طيار.
إضافة إلى ذلك، سيُلزم الذكاء الاصطناعي شركات السفر بتوفير بيئة مناسبة للروبوتات. فحتى تصبح مهمة الأتمتة قابلة للتنفيذ باستخدام روبوتات أقل ذكاء، يجب أن تكون البيئة ملائمة لعملها. وعلى العكس من ذلك، إذا كانت البيئة غير صديقة للروبوت، فستكون هناك حاجة إلى آلات ذكية وأكثر تعقيداً للتنقل فيها. لذلك، سيكون التصميم الداخلي لشركات السياحة والضيافة عاملاً حاسماً لأنه سيوفر ميزة تنافسية جديدة في المستقبل.
إدارة الموارد البشرية:
النقاش الأكثر سخونة حول إدخال الروبوتات والتقنيات الآلية في السياحة والضيافة يتعلق بمستقبل الموظفين، حيث تتباين الآراء بين الإيجابيات والسلبيات.
من ناحية الإيجابيات. ستوفر الروبوتات للموظفين الكثير من الوقت الذي كانوا يقضونه في أداء مهام متكررة وشاقة. مما يتيح لهم الفرصة للتركيز على أنشطة أكثر إبداعًا ومربحة. على سبيل المثال، يمكن لموظفي خدمة الغرف استخدام الروبوتات لتسليم الطلبات، مما يمنحهم الوقت للتركيز على مهام أخرى في المطعم. بالإضافة إلى ذلك. يمكن للروبوتات حل مشاكل التوظيف التقليدية. مثل فصل العمال دون الحاجة إلى التعامل مع البيروقراطية وقوانين العمل المعقدة. كما قد تحل محل العمال الموسميين في الأعمال المؤقتة.
أما من ناحية السلبيات. قد يؤدي استخدام الروبوتات والأتمتة إلى انخفاض في عدد الوظائف المتاحة. وخاصة تلك التي يمكن تشغيلها تلقائياً بسهولة، مثل وظائف الاستقبال، تنظيف المناطق المشتركة، طلب القوائم، وتوصيل الطعام. لهذا السبب، يرى العديد من الموظفين الروبوتات والتكنولوجيا المتقدمة تهديدًا لوظائفهم، مما يدفعهم إلى مقاومة استخدامها.
الإدارة المالية لصناعة السياحة:
الهدف الأساسي من استخدام الروبوتات والتقنيات المؤتمتة من وجهة نظر مالية هو تقليل تكاليف العمالة بشكل ملحوظ. وبالإضافة إلى ذلك، تعمل الروبوتات على مدار الساعة وطوال أيام الأسبوع. مما يتيح لها خدمة العديد من العملاء في نفس الوقت دون انقطاع. مع ذلك، فإن هذه التكنولوجيا ليست خالية من التكاليف المالية الأخرى. فإلى جانب التوفير في تكاليف العمالة، هناك تكاليف أخرى مثل: اكتساب المتخصصين في الروبوتات، وصيانتها وتحديثها بشكل دوري. وعلاوة على ذلك، يجب مراعاة تكاليف الدعم التقني للروبوتات، وتكاليف تدريب الموظفين على كيفية العمل مع هذه التقنيات.
إدارة التزويد في السياحة
إطلاق التكنولوجيا العالية في قطاع السياحة يشير إلى تبني تقنيات متقدمة، مثل الروبوتات والأتمتة وأنظمة المعلومات الحديثة. فعلى سبيل المثال، تساهم هذه التقنيات في تحسين عمليات السفر والإقامة والخدمات السياحية. بذلك، يمكن دمج أنظمة المعلومات المختلفة التي تستخدمها الشركات في شبكة واحدة تضم الموردين والشركاء، مما يؤدي إلى تحسين التنسيق وتبادل المعلومات.
بداية دمج الأنظمة
في بداية الألفية الجديدة، بدأت عملية دمج الأنظمة باستخدام تقنيات مثل اتصالات XML المتسلسلة. ومن ثم، سمحت هذه التقنيات للشركات بتبادل بيانات هامة مثل توفر الغرف وحالتها بين مواقع مختلفة بسهولة. وبالتالي، أصبحت المعلومات حول حالة الغرف في الفنادق متاحة في الوقت الفعلي لمشغلي الرحلات أو وكالات السفر عبر الإنترنت (OTA).
تقدم التكنولوجيا وتكامل الأنظمة
مع تقدم التكنولوجيا، أصبحت الروبوتية والأتمتة أدوات أساسية لتسهيل التكامل بشكل أكبر. على سبيل المثال، عندما يقوم العميل بحجز عبر برنامج آلي تديره وكالة سفر أو مشغل رحلات، يتم تسجيل هذا الحجز تلقائيًا في نظام الحجز الخاص بالفندق أو المورد الآخر. نتيجة لذلك، يساعد هذا التكامل السلس على تقليل الأخطاء، وتسريع العمليات، وتحسين تجربة العميل، حيث تُنفذ العمليات بشكل أسرع وأكثر دقة دون تدخل بشري كبير.
إدارة التسويق في السياحة: تأثير الروبوتات والتكنولوجيا الفائقة:
في المستقبل، من المتوقع أن تُحدث الروبوتات والأتمتة تحولاً جذرياً في تصورات السياحة والمنتج السياحي. سنشهد تقسيم شركات السياحة إلى مجموعتين رئيسيتين:
- مجموعة “التكنولوجيا الفائقة”: ستعتمد هذه الشركات بشكل كامل على التكنولوجيا المتقدمة في تقديم خدماتها. ستتيح هذه التكنولوجيا إدخال التسعير التلقائي للمنتجات السياحية بناءً على مجموعة من القواعد والبيانات في الوقت الفعلي. كما سيسمح الذكاء الاصطناعي بالتسعير الشخصي، حيث يُقدم سعر مخصص لكل عميل بناءً على تفضيلاته ورغبته في الشراء، مما يؤدي إلى زيادة الإيرادات.
- المجموعة الثانية: هي الشركات التي تفضل تقديم خدماتها من خلال التفاعل البشري، مستندة إلى القيم التقليدية في تقديم الخدمة.
التكنولوجيا الفائقة وتأثيرها على توزيع المنتجات السياحية
التكنولوجيا العالية ستؤثر أيضاً على كيفية توزيع المنتجات السياحية. ستتمكن شركات السياحة من تطوير تطبيقات برمجية خاصة بها، يمكن للعملاء تثبيتها على أجهزتهم الرقمية لاستخدامها في الحجز والدفع، على غرار تطبيقات الهواتف الذكية المستخدمة اليوم.
الاعتبارات والتحديات في استخدام التكنولوجيا الفائقة
بالطبع، لن تكون الأتمتة مناسبة لكل عملية أو نشاط أو مهمة، لذا يجب على الشركات النظر بعناية في تكاليف وفوائد استخدام التكنولوجيا الفائقة، وتنفيذ ما يناسب أعمالهم فقط.
المستقبل ودور الذكاء الاصطناعي في استدامة السياحة
في النهاية، سيجيب البحث المستقبلي والتجارب الواقعية على السؤال الكبير: إلى أي مدى يمكن أن يساهم الذكاء الاصطناعي، من خلال الروبوتات والأتمتة، في استدامة ومسؤولية شركات السياحة والضيافة؟ هذا السؤال سيظل محورياً في توجيه استراتيجيات التطوير المستقبلي في القطاع.
اقراء ايضا :المقالات
e-onepress.com
الوقت المقدر للقراءة 7 دقائق
[…] اقرأ ايضاً الذكاء الاصطناعي يغير معالم السياحة […]
[…] اقرأ ايضا الذكاء الاصطناعي يغير معالم السياحة […]