التدمير الابداعيالتدمير الابداعي

التدمير الإبداعي هو العملية التي يغير بها الابتكار نموذج الأعمال السائد في الصناعة، حيث يحوّل تقنيات الإنتاج أو التسويق. من خلال هذه العملية، تختفي الشركات التي تعجز عن الابتكار والبقاء، مما يفسح المجال أمام الشركات المبتكرة الأكثر ملاءمة لاحتياجات المستهلك.

الابتكار والتدمير الإبداعي

يتطلب التدمير الإبداعي عنصرين أساسيين: الخلق والتدمير. هذا يعني أن الابتكار الجديد يحل بالضرورة محل القديم، مما يؤدي إلى اختفائه. كجزء من هذه العملية، يجب على الشركات التكيف مع الديناميكيات الجديدة، مثل إغلاق خطوط أعمال قديمة لفتح أخرى جديدة. والشركات غير القادرة على التكيف إما أن تغير نشاطها أو تختفي. بعبارة أخرى، “تدمر” شيئاً قديماً “لخلق” شيء جديد، والذي يكون عادةً أفضل.

مثال واقعي على التدمير الإبداعي هو التحول من الهواتف التقليدية إلى الهواتف الذكية. في بداية الألفية الثالثة، كانت الهواتف المحمولة التقليدية مثل نوكيا وسامسونج تعتمد بشكل كبير على الاتصال الصوتي والرسائل النصية، وكانت هذه الأجهزة بسيطة ومحدودة الإمكانيات.

عندما قدمت شركة أبل جهاز iPhone في عام 2007، قدمت معه مفهوماً جديداً للهاتف المحمول الذي يتضمن وظائف متقدمة مثل: تصفح الإنترنت، وتشغيل التطبيقات، والكاميرات عالية الجودة، وغيرها من الميزات التي لم تكن متوفرة في الهواتف التقليدية.

هذا الابتكار أدى إلى “تدمير” سوق الهواتف التقليدية؛ حيث بدأت الشركات التي لم تستطع مواكبة هذا التحول تفقد حصتها في السوق أو تختفي تماماً. نوكيا، على سبيل المثال، التي كانت رائدة في سوق الهواتف المحمولة، فقدت موقعها الريادي بسرعة لأنها لم تستطع التكيف مع هذا التغيير الجذري.

في المقابل، خلقت الهواتف الذكية سوقاً جديداً ومزدهراً يركز على التكنولوجيا المتقدمة والتطبيقات، ما أدى إلى ظهور شركات جديدة مثل أبل وجوجل كقادة في هذه الصناعة. هذا المثال يوضح كيف أن التدمير الإبداعي يمكن أن يؤدي إلى استبدال تكنولوجيا قديمة بجديدة، مما يؤدي إلى اختفاء الشركات أو المنتجات القديمة وظهور شركات أو منتجات جديدة أكثر تقدماً.

انتشار مصطلح التدمير الإبداعي

انتشر مصطلح “التدمير الإبداعي” بفضل جوزيف شومبيتر في الأربعينيات من القرن الماضي. هذا الاقتصادي درس كيفية انتقال رأس المال عبر الزمن من القطاعات الأقل ربحية إلى تلك ذات الآفاق الأفضل. ورغم أن الفضل يعود لشومبيتر في تعميق المفهوم، إلا أن عالم الاجتماع فيرنر سومبارت هو من ابتكر المصطلح أولاً.

نُسبت الفكرة إلى شومبيتر لأنه طورها بعمق في كتابه “الرأسمالية والاشتراكية والديمقراطية” عام 1942. حيث جادل بأن عوامل الإنتاج المستخدمة في الشركات غير الفعالة لا تقدم أقصى استفادة ممكنة. وعندما تتراجع هذه الشركات أو تتقادم، تُحرّر مواردها لأنشطة أخرى أكثر ربحية. بينما قد يبدو إغلاق الشركة مأساويًا للمرتبطين بها، إلا أن شومبيتر رأى في حالات الإفلاس جزءًا أساسيًا من ديناميكيات الرأسمالية.

من هو جوزيف شومبيتر؟

ولد جوزيف شومبيتر عام 1883 في جمهورية التشيك، وهاجر إلى فيينا حيث درس في الجامعة. بعد مسيرة مهنية ناجحة، عمل كأستاذ ووزير للاقتصاد النمساوي بعد الحرب العالمية الأولى. فرّ إلى أمريكا في الثلاثينيات بسبب الاضطهاد النازي وعُيّن أستاذاً للاقتصاد في جامعة هارفارد، حيث أثر في جيل كامل من الاقتصاديين. شومبيتر هو من أشاع مصطلح “التدمير الخلاق” في كتابه.

أنواع الابتكار حسب شومبيتر

وفقًا لشومبيتر، هناك خمسة أنواع من الابتكار:

  1. إدخال سلعة جديدة.
  2. تنفيذ عملية إنتاج أو توزيع غير مسبوقة.
  3. دخول أسواق جديدة.
  4. الحصول على مصدر جديد للمواد الخام.
  5. خلق احتكار جديد أو تدمير احتكار قائم.

التدمير الإبداعي في ريادة الأعمال

نموذج التدمير الإبداعي يشمل إجراءً مزدوجاً: من ناحية، هناك بناء لواقع جديد يحل محل القديم. ومن ناحية أخرى، هناك اختفاء للمنتجات أو الأسواق التي استُبدلت. هذه الحركة المزدوجة تتطلب من الشركات إعادة التأقلم مع السوق، حيث يحدد المستهلكون قبول هذا الواقع الجديد.

مع ذلك، ليس من الضروري أن يؤدي ظهور منتج جديد إلى اختفاء المنتج القديم. قد يكون هناك تعايش مؤقت بين المنتجات والأسواق. على سبيل المثال، لم يختفِ التصوير الفوتوغرافي التقليدي تماماً مع ظهور الكاميرات الرقمية.

حالة التدمير الإبداعي في صناعة الموسيقى

صناعة الموسيقى تمثل حالة نموذجية للتدمير الإبداعي. منذ بداية القرن الحادي والعشرين، بدأت مبيعات الأقراص في الانخفاض بشكل كبير مع ظهور الإنترنت كمصدر رئيسي للموسيقى. هذا التغيير دفع الشركات إلى اتخاذ قرارات جذرية مثل: بيع مصانع التسجيلات والاستحواذ على شركات أخرى لتوسيع كتالوج الموسيقى وزيادة حصتها في السوق.

الخلاصة

رغم صعوبة تحديد ما إذا كان التدمير الإبداعي يضر أكثر مما ينفع، تشير الأدلة التجريبية إلى أن هذه الديناميكية كانت دائماً جزءاً من الاقتصاد. يجب على المستثمرين إلقاء نظرة فاحصة على الأنشطة التي يستثمرون فيها، ومحاولة جعلها استخداماً منتجاً لرأس المال. بالنسبة للشركات والوكلاء الاقتصاديين الآخرين، تُعد دروس شومبيتر ذات أهمية كبيرة في النشاط الاقتصادي.

اقرأ ايضاً مدير مجتمع الإنترنت

Estimated reading time: 6 دقائق

e-onepress.com

About Author

One thought on “التدمير الإبداعي .. قوة الابتكار في تغيير الصناعات”

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Verified by MonsterInsights