في الوقت الحاضر، ومع تزايد التنافس بين البلديات لتحسين بيئة الأعمال وجذب الاستثمارات تسعى العديد من البلديات بشكل حثيث إلى إطلاق مجموعة متنوعة من المبادرات .و التي تهدف إلى دعم مشاريع المجتمع المحلي وتهيئة بيئة أعمال ملائمة. ومع ذلك، يبقى السؤال الذي يطرحه العديد من رؤساء البلديات: لماذا يختار المستثمرون الاستقرار في بلديات أخرى بدلاً من بلديتنا؟ وللإجابة على هذا التساؤل المهم بشكل شامل. سنستعرض فيما يلي عشر نصائح أساسية مدعومة بأمثلة واقعية من الوطن العربي، تهدف إلى تحسين القدرات التنافسية للبلديات وجذب الاستثمارات بشكل أكثر فعالية واستدامة.
عشر نصائح أساسية لتحسين القدرة التنافسية للبلديات
1. تحديد نقاط القوة في الاقتصاد المحلي:
تعتبر الخطوة الأولى نحو تحسين التنافسية هي دراسة وفهم نقاط القوة الاقتصادية التي تتمتع بها المنطقة. لذا، يجب على البلديات البدء بتحديد القطاعات التي تبرز فيها منطقتهم. والعمل على تطوير هذه القطاعات من خلال التشاور والتعاون مع الجهات الفاعلة في كل من القطاعين العام والخاص. من خلال هذا التعاون الوثيق، يمكن تعزيز تطوير الأعمال وفتح آفاق جديدة لخلق فرص عمل متنوعة ومجزية. على سبيل المثال: في مدينة الشارقة بدولة الإمارات العربية المتحدة. تم تحديد قطاع التعليم العالي والصناعات الإبداعية كأحد نقاط القوة المحلية التي تستحق التركيز. وبناءً على هذا التحديد، وبالتعاون الوثيق مع القطاع الخاص. أطلقت بلدية الشارقة مشاريع متعددة، كان من أبرزها “مدينة الشارقة للإعلام” (شمس). هذه المدينة الإعلامية أصبحت بسرعة مركزاً حيوياً للمبدعين ورواد الأعمال في مجالات الإعلام والإبداع. مما ساهم بشكل ملحوظ في تعزيز مكانة الشارقة كمحور إقليمي للإبداع والابتكار.
2. بناء إطار مؤسسي للحوار بين القطاعين العام والخاص:
لتحقيق التنمية المستدامة، من الضروري إنشاء إطار مؤسسي متين يسهل الحوار والتعاون بين القطاعين العام والخاص. يمكن تحقيق هذا الهدف من خلال إنشاء لجان تنافسية تعمل على وضع خطة تنافسية محلية شاملة. وتعزيز النمو الاقتصادي على المدى الطويل. في هذا السياق، تتحمل البلديات مسؤولية تنفيذ هذه الخطة ومراقبة تقدمها بالتنسيق الوثيق مع القطاع الخاص لضمان تحقيق الأهداف المرجوة.
في الدار البيضاء بالمغرب. قامت السلطات المحلية بخطوة هامة بتأسيس “مجلس المدينة للتنمية الاقتصادية”. الذي يضم ممثلين من كل من القطاعين العام والخاص. يعمل هذا المجلس كمنصة فعالة لتبادل الأفكار والخبرات، مما يعزز من التعاون بين البلدية والشركات الخاصة. هذا التعاون الوثيق ساهم بشكل كبير في تحسين بيئة الأعمال المحلية، وأدى إلى زيادة الاستثمارات وتعزيز التنافسية الاقتصادية للمدينة.
3. تحسين مناخ الأعمال المحلي:
مسؤولية البلدية لا تقتصر فقط على توفير الخدمات الأساسية والبنية التحتية. بل يجب عليها أيضاً أن تلعب دوراً فعّالاً في خلق مناخ أعمال جذاب يسهم في تعزيز التنمية الاقتصادية. ولتحقيق ذلك بفعالية، يجب على البلدية التركيز على تحسين إدارة الضرائب والرسوم، وتعزيز الإدارة المالية بشكل يدعم الشفافية. بالإضافة إلى ذلك، يتعين عليها صياغة ميزانيات تشاركية تشجع على الثقة بين المواطنين والمستثمرين على حد سواء. مثال على ذلك: في مدينة الرياض، قامت الأمانة العامة للمدينة بخطوة نوعية لتحسين مناخ الأعمال من خلال إطلاق منصة “بلدي” الإلكترونية. تمثل هذه المنصة الرقمية نقلة نوعية في كيفية تقديم الخدمات البلدية. حيث ساعدت في تسهيل الإجراءات الروتينية مثل: استخراج التراخيص وتجديدها. ونتيجة لذلك، تم تقليل الوقت والتكاليف اللازمة لإنجاز المعاملات. مما ساهم بشكل كبير في جذب المزيد من الاستثمارات وتعزيز الثقة في بيئة الأعمال المحلية.
4. الاستفادة من الموارد الوطنية لتعزيز البنية التحتية:
يمكن للبلديات تحسين جودة الخدمات والبنية التحتية بشكل ملحوظ من خلال الاستفادة الفعّالة من البرامج الوطنية المتاحة. إلى جانب ذلك، يعد تطوير القدرات البلدية في إعداد وتنفيذ المشاريع خطوة أساسية لتعظيم الفوائد المتاحة من هذه الموارد. مما يسهم بشكل كبير في تحقيق تنمية مستدامة وشاملة. على سبيل المثال، في مدينة صفاقس بتونس، استفادت البلدية بشكل كبير من برنامج “المدن الذكية” الذي أطلقته الحكومة التونسية. بفضل هذا البرنامج، تم تحسين البنية التحتية الرقمية في المدينة. وهو ما أدى إلى جذب شركات التكنولوجيا وزيادة الاستثمارات في هذا القطاع الحيوي. علاوة على ذلك، ساهمت هذه التحسينات في تعزيز مكانة صفاقس كمدينة مستقبلية قادرة على المنافسة في الاقتصاد الرقمي.
5. مواءمة التدريب الفني مع استراتيجية التنمية المحلية:
من المهم أن تسعى البلديات إلى مواءمة برامج التدريب الفني والمهني مع أهداف استراتيجية التنمية المحلية. من خلال هذه المواءمة، يمكن تنشيط الاقتصاد المحلي وتوسيع نطاق أنشطة الكيانات التدريبية، الأمر الذي يعزز من قدرة العمالة المحلية على تلبية احتياجات السوق بفعالية. على سبيل المثال، في مدينة طنجة بالمغرب، تعاونت البلدية بشكل وثيق مع معاهد التدريب المهني لتقديم برامج تدريبية متخصصة تتماشى مع احتياجات سوق العمل المحلي، لا سيما في مجالات الصناعة والخدمات اللوجستية. ولقد كان هذا التعاون فعالاً للغاية، حيث لم يسهم فقط في تخريج كوادر مؤهلة، بل أدى أيضاً إلى دعم القطاعات الاقتصادية الرئيسية في المدينة، مما ساعد بالتالي في دفع عجلة التنمية المحلية بشكل ملحوظ.
6. تسهيل وصول الشركات الصغيرة والمتوسطة إلى التمويل والدعم:
تلعب البلديات دوراً محورياً في دعم الشركات الصغيرة والمتوسطة من خلال تسهيل وصولها إلى التمويل وخدمات دعم الأعمال. ولتحقيق هذا الهدف بشكل فعال، يمكن للبلديات تقديم التدريب والمشورة لأصحاب المشاريع حول كيفية تطوير خطط الأعمال والوصول إلى الأسواق. وفي هذا السياق، أطلقت بلدية دبي مبادرة “Dubai SME” لدعم الشركات الصغيرة والمتوسطة، وهي مبادرة توفر للشركات الناشئة الدعم المالي والمشورة الفنية. بفضل هذه المبادرة، شهد قطاع ريادة الأعمال في المدينة تعزيزاً ملحوظاً، حيث ساهمت بشكل كبير في تحسين قدرة الشركات الناشئة على النمو والتوسع.
7. تحسين الكفاءة وتقليل التكاليف:
تحسين بيئة الأعمال المحلية يتطلب تقليل تكاليف المعاملات وأوقات المعالجة، خاصة بالنسبة للشركات الصغيرة والمتوسطة. لتحقيق هذا الهدف، يمكن التركيز على تبسيط الإجراءات الإدارية وإنشاء مراكز خدمة متخصصة لتلبية احتياجات رواد الأعمال. على سبيل المثال، في مدينة عمّان بالأردن، تم إنشاء مركز “خدمة الأعمال” الذي يقدم خدمات متكاملة للشركات الصغيرة ورواد الأعمال. وقد أسهم هذا المركز بشكل كبير في تقليل الوقت اللازم للحصول على التراخيص والتصاريح، مما جعل عمّان وجهة مفضلة للشركات الناشئة الباحثة عن بيئة عمل فعالة وسهلة.
8. إشراك القطاع الخاص في تقديم الخدمات البلدية:
إشراك القطاع الخاص في تقديم الخدمات البلدية واستثمارات التنمية الحضرية يعد خطوة مهمة لتحسين جودة هذه الخدمات وتوسيع نطاقها. على سبيل المثال، في مدينة جدة بالسعودية، تم إشراك القطاع الخاص في إدارة بعض الخدمات البلدية، مثل إدارة النفايات الصلبة وتطوير مشاريع البنية التحتية. نتيجة لهذا التعاون، شهدت المدينة تحسنًا ملحوظًا في جودة الخدمات المقدمة للسكان، بالإضافة إلى تقليل الأعباء المالية على البلدية. مما يؤكد فعالية إشراك القطاع الخاص في تقديم الخدمات العامة وتحقيق تنمية حضرية مستدامة.
9. دعم المنتجين المحليين من خلال التقنيات الحديث:
يمكن للبلديات أن تسهم بشكل كبير في تحسين كفاءة الشركات المحلية من خلال تسهيل وصولها إلى التقنيات الحديثة والأسواق الجديدة. من خلال هذا النهج، يعزز هذا النوع من الدعم الإنتاجية ويزيد من تنافسية المنتجين المحليين. على سبيل المثال، في مدينة مراكش بالمغرب، تعاونت البلدية بشكل وثيق مع القطاع الخاص لإنشاء حاضنات أعمال تهدف إلى دعم الشركات الصغيرة والمتوسطة في تبني التقنيات الحديثة وتحسين جودة منتجاتها. ونتيجة لهذا الدعم، تحسنت تنافسية المنتجات المحلية بشكل ملحوظ في الأسواق الوطنية والدولية، مما ساهم بدوره في تعزيز الاقتصاد المحلي وتعزيز مكانة مراكش كمركز اقتصادي حيوي.
10. تعزيز القيادات المحلية برؤية مستقبلية:
من الضروري أن تحظى القيادات المحلية التي تمتلك رؤية استراتيجية طويلة المدى بالدعم الكافي لتحقيق أهداف التنمية المستدامة والشاملة. وفي هذا السياق، تعمل بلدية أبوظبي بالتعاون الوثيق مع قادة المجتمع المحلي والشركات الكبرى على تطوير خطط طويلة المدى تهدف إلى تحسين جودة الحياة في المدينة. وبالتالي، من خلال رؤية استراتيجية واضحة ومحددة، تسعى أبوظبي لتكون واحدة من أفضل المدن في العالم من حيث جودة الحياة والاستدامة، الأمر الذي يبرز أهمية التخطيط الاستراتيجي كعنصر حيوي في تعزيز التنمية المستدامة.
في الختام،
تحسين القدرة التنافسية للبلديات يتطلب تبني استراتيجيات شاملة تتضمن التعاون بين القطاعين العام والخاص، والاستفادة من الموارد الوطنية والدولية، ودعم التدريب والتطوير المهني. من خلال اتباع النصائح العشر المذكورة وتطبيقها على أرض الواقع كما هو الحال في بعض البلديات في الوطن العربي، يمكن للبلديات تعزيز قدرتها على جذب الاستثمارات وتحقيق التنمية المستدامة، مما يسهم في تحسين جودة الحياة للمواطنين ودعم الاقتصاد المحلي على المدى الطويل.
اقرأ ايضاً العولمة وإدارة الاعمال
Estimated reading time: 10 دقائق