في عالم اليوم المتغير بسرعة تبرز الأنثروبولوجيا السياحية كأداة هامة لفهم العلاقات المعقدة بين الثقافات المختلفة. تطورت الأنثروبولوجيا من الإثنوغرافيا ومفهوم التعددية الثقافية، وركزت على العلاقات بين المضيفين والضيوف في السياحة.
مع مرور الزمن، تغيرت نظرة الأنثروبولوجيين إلى “الآخر” من كونه موضوع فضول إلى عدو محتمل. يعكس هذا التغيير التحديات التي تواجه الأنثروبولوجيا السياحية في العصر الحديث.
يمكنك الاطلاع على المقال كاملاً PDF على الرابط https://acrobat.adobe.com/id/urn:aaid:sc:ap:d8c115b7-e91d-4f29-99dd-3f0c68fe7ded
السياحة كأداة اجتماعية.
السياحة ليست مجرد نشاط ترفيهي. بل هي أداة اجتماعية تسهم في تعزيز الوحدة الاجتماعية والتفاهم بين الثقافات المختلفة. فعندما يسافر الناس ويزورون مناطق جديدة، يتعرفون على عادات وتقاليد السكان المحليين. هذا التفاعل يتيح للسياح فهم الثقافات الأخرى بشكل أعمق، مما يقلل من الأحكام المسبقة، ويسهم في بناء جسور التفاهم بين المجتمعات المختلفة (كوهين، 1988؛ ماك كانيل، 1976).
على سبيل المثال:
- في اليابان، تجذب مهرجانات الشاي التقليدية السياح من جميع أنحاء العالم. يتعلم السياح من خلال هذه المهرجانات عن تقاليد الشاي اليابانية ويشاركون في الطقوس التقليدية، مما يعزز التفاهم بين الثقافات المختلفة ويعمق احترام السياح للثقافة اليابانية.
- في الأردن، يعتبر البتراء وجهة سياحية رئيسية. يتفاعل السياح مع السكان المحليين ويتعرفون على التاريخ الغني والعمارة النبطية الفريدة. يمكن للسياح تجربة الأطعمة التقليدية والتعرف على الحرف اليدوية المحلية، مما يعزز التفاهم الثقافي بين السياح والسكان المحليين.
- في كينيا، تتيح الزيارات إلى قرى الماساي للسياح فرصة للتعرف على ثقافة الماساي التقليدية. يتفاعل السياح مع أفراد القبيلة ويشاهدون الرقصات التقليدية ويستمعون إلى قصص حول تاريخهم وعاداتهم، مما يعزز التفاهم والاحترام المتبادل.
- في الولايات المتحدة، يوفر مهرجان نيولاينز جاز في نيو أورلينز فرصة للسياح لتجربة الموسيقى والثقافة الكريولية. يتفاعل السياح مع السكان المحليين ويشاركون في الأنشطة الموسيقية التقليدية، مما يعزز الوحدة الاجتماعية والتفاهم الثقافي.
- في إسبانيا، يجذب مهرجان لا توماتينا في بونيول السياح من جميع أنحاء العالم للمشاركة في “معركة الطماطم” الشهيرة. يتفاعل السياح مع السكان المحليين ويشاركون في الاحتفالات، مما يعزز التفاهم والاحترام بين الثقافات المختلفة.
مفهوم “الأصالة المسرحية“.
أحد المفاهيم المهمة في الأنثروبولوجيا ([1]) السياحية هو “الأصالة المسرحية”. يعرض السكان المحليون ثقافتهم بطرق تجذب السياح وتجعلهم يشعرون بأنهم يعيشون تجربة فريدة وأصيلة. ومع ذلك، قد تكون هذه التجارب مصطنعة أحياناً، حيث يتم تنظيمها خصيصاً للسياح. هذا يخلق تناقضاً بين التوقعات والواقع. على سبيل المثال، في بعض القرى السياحية، يتم تنظيم مهرجانات تقليدية خصيصاً لجذب السياح، لكنها قد لا تكون جزءًا من الحياة اليومية للسكان المحليين. هذا يمكن أن يؤدي إلى تجربة سياحية مشوهة تبتعد عن الواقع الحقيقي للثقافة المحلية (بورستين، 1964؛ أوري، 1990).
- في تايلاند، تجذب قرية الفيلة السياح الذين يرغبون في مشاهدة الفيلة عن قرب والمشاركة في رعايتها. ومع ذلك، تُنتقد هذه العروض أحياناً لأنها تُعرض الفيلة في بيئات غير طبيعية وبعيدة عن الحياة البرية، مما يخلق تجربة سياحية مصطنعة.
- في الإمارات العربية المتحدة، تقدم رحلات السفاري في الصحراء تجارب تقليدية تشمل ركوب الجمال وعروض الرقص الشرقي. رغم أن هذه التجارب ممتعة، إلا أنها مُعدة خصيصاً للسياح ولا تعكس الحياة اليومية لسكان البدو في الصحراء.
- في جنوب أفريقيا، تجذب قرى الزولو السياح الذين يرغبون في مشاهدة الرقصات التقليدية وطقوس القبيلة. ومع ذلك، تُنظم هذه العروض غالباً لتتناسب مع جدول السياح، مما يجعلها أقل أصالة ويبعدها عن الحياة اليومية الحقيقية للقبيلة.
- في هاواي، تُقام عروض هولا التقليدية في الفنادق والمنتجعات لجذب السياح. بينما تستند هذه العروض إلى تقاليد حقيقية، فإنها غالباً ما تكون مبسطة ومُعدلة لتتناسب مع توقعات السياح، مما يخلق تجربة سياحية بعيدة عن الأصالة.
- في إسكتلندا، تجذب العروض التقليدية للعبة “هاي لاند جيمز” السياح الذين يرغبون في مشاهدة المسابقات التقليدية مثل رمي الجذع. تُنظم هذه العروض في بعض الأحيان خصيصاً للسياح، مما يجعلها أقل ارتباطًا بالحياة اليومية للسكان المحليين.
السياحة كتبادل إنساني.
تفهم السياحة أيضاً على أنها عملية إنسانية تهدف إلى تبادل الهدايا والتقديرات. عندما يسافر السياح، يجلبون معهم هدايا وتقديرات تعبر عن احترامهم للثقافة المحلية، مما يساهم في بناء علاقات إيجابية مع السكان المحليين. هذا التبادل الثقافي يعزز التفاهم المتبادل ويخلق شعوراً بالاتصال بين الثقافات المختلفة.
على سبيل المثال، قد يجلب السياح هدايا صغيرة للأطفال المحليين، مثل الألعاب أو الكتب، مما يعزز التفاعل الإيجابي ويترك انطباعًا جيدًا لدى المجتمع المحلي. هذه الهدايا تعمل كجسر ثقافي يربط بين المجتمعات المختلفة ويعزز الروابط الإنسانية
- في نيبال، يجلب السياح هدايا بسيطة مثل الأدوات المدرسية للأطفال في القرى النائية عند زيارتهم لمنطقة الهيمالايا. هذه الهدايا تُقدَّر كثيرًا وتساعد في بناء علاقات إيجابية بين السياح والسكان المحليين، وتعزز التفاهم المتبادل.
- في المغرب، يقوم السياح الذين يزورون قرى البربر بجلب هدايا مثل الملابس أو الأدوات المنزلية. هذه الهدايا تساهم في تحسين العلاقات بين السياح والسكان المحليين وتعزز التفاعل الثقافي الإيجابي.
- في تنزانيا، يقوم السياح الذين يزورون قرى الماساي بجلب الهدايا مثل الأدوية الأساسية أو المواد التعليمية. هذه الهدايا تحظى بتقدير كبير وتساعد في بناء جسور التفاهم والاحترام بين الثقافات المختلفة.
- في البيرو، يجلب السياح الذين يزورون مجتمعات الأنديز المحلية هدايا مثل البطانيات أو الأغذية الأساسية. هذا النوع من التبادل يعزز التفاهم المتبادل ويخلق شعوراً بالاتصال بين الثقافات المختلفة، ويترك انطباعًا إيجابيًا لدى السكان المحليين
- في رومانيا، يقوم السياح الذين يزورون قرى ترانسيلفانيا بجلب هدايا مثل الكتب أو الألعاب للأطفال المحليين. هذه الهدايا تساهم في تعزيز الروابط الثقافية وتترك انطباعًا جيدًا يعزز التفاعل الإيجابي بين السياح والسكان المحليين.
الأنثروبولوجيا السياحية اليوم.
شهدت الأنثروبولوجيا السياحية تغيرات كبيرة بسبب جائحة كوفيد-19. أثر الوباء بشكل كبير على صناعة السياحة وأسلوب السفر. أصبحت الإثنوغرافيا الرقمية أداة مهمة لمواكبة هذه التغيرات (هانام، شيلر، وأوري، 2006؛ بوشر، أوري، وويتشجر، 2011).
على سبيل المثال، استخدم الأنثروبولوجيون التكنولوجيا الرقمية لدراسة تفاعل السياح مع الوجهات السياحية عبر الإنترنت. هذا النهج الجديد ساعد في فهم كيف يؤثر الإنترنت على تجربة السياحة.
تواجه الأنثروبولوجيا السياحية تحديات جديدة تتعلق بالأيديولوجيا والتنقلات المحدودة. على سبيل المثال، يعاني بعض السياح من صعوبات في التنقل بسبب القيود المفروضة على السفر. هذا الوضع يعزز التفاوتات بين الأشخاص الذين يمكنهم السفر والذين لا يمكنهم ذلك. يبرز هذا التحدي الأهمية المتزايدة لدراسة التأثيرات الاجتماعية والاقتصادية للسياحة على المجتمعات المحلية.
على سبيل المثال، في بعض الدول النامية، يعتمد الكثير من السكان المحليين على السياحة كمصدر رئيسي للدخل. توقف السياحة بسبب الوباء أثر بشكل كبير على هؤلاء السكان وأدى إلى فقدان وظائفهم. هذا يبرز الحاجة إلى فهم أعمق للتحديات التي تواجه المجتمعات المعتمدة على السياحة وكيف يمكن للأنثروبولوجيا السياحية المساهمة في تقديم حلول لهذه المشاكل.
مستقبل الأنثروبولوجيا السياحية.
التوثيق التاريخي للثقافات:
منذ القرنين الثامن عشر والتاسع عشر، كان الأنثروبولوجيون يوثقون عادات وتقاليد الشعوب الأصلية التي تواجه خطر الانقراض. هذا العمل ساهم في حفظ جزء مهم من التراث الثقافي للبشرية (أبادوراي، 1996؛ كليفورد، 1988).
على سبيل المثال، الأنثروبولوجيون الذين عملوا في المناطق المستعمرة قاموا بتسجيل وتوثيق العادات والتقاليد المحلية، مما ساعد في حفظها للأجيال القادمة.
تأثير العولمة:
مع مرور الزمن، تسارعت التغيرات الثقافية بفعل العولمة. هذا أدى إلى إعادة تعريف مفاهيم مثل “الآخر”([2]) والتعددية الثقافية ([3]). للأنثروبولوجيا السياحية دوراً مهماً في فهم تأثير العولمة على الثقافات المحلية. على سبيل المثال، يمكن للأنثروبولوجيين دراسة كيف يؤثر التدفق الكبير للسياح على تقاليد وعادات المجتمعات المحلية وكيف تتكيف هذه المجتمعات مع هذه التغيرات. فهم هذه التأثيرات يساعد في تطوير استراتيجيات لحماية الثقافات المحلية والحفاظ على تراثها.
تأثير التدفق الكبير للسياح على تقاليد وعادات المجتمعات المحلية:
تغييرات اقتصادية:
زيادة السياحة يمكن أن تؤدي إلى تغييرات في البنية الاقتصادية للمجتمع المحلي، حيث يتحول التركيز إلى القطاعات التي تلبي احتياجات السياح. يمكن أن يؤدي ذلك إلى تهميش الأنشطة التقليدية التي كانت تعتمد عليها المجتمعات. على سبيل المثال، يمكن أن تتحول الأراضي الزراعية إلى منتجعات سياحية، مما يؤثر على نمط الحياة التقليدي للسكان.
تعديلات على التقاليد والطقوس:
المجتمعات المحلية قد تعدل أو تبسط طقوسها وعاداتها لتكون أكثر جذباً للسياح. يمكن أن يؤدي ذلك إلى فقدان بعض الأصالة في هذه الطقوس. على سبيل المثال، قد يتم تقديم رقصات أو احتفالات تقليدية بشكل متكرر وبطرق مبسطة لتتناسب مع جداول السياح، مما يفقدها بعض من قيمتها التقليدية.
تحولات ثقافية واجتماعية:
التفاعل المستمر مع السياح يمكن أن يؤدي إلى تبني بعض العادات والقيم الثقافية للسياح، مما يغير الثقافة المحلية. قد تصبح اللغات الأجنبية أكثر شيوعاً على حساب اللغة الأم، وقد تتغير أزياء السكان المحليين لتتناسب مع توقعات السياح.
كيفية تكيف المجتمعات المحلية مع هذه التغيرات:
التكيف الاقتصادي:
المجتمعات تتكيف من خلال تطوير بنية تحتية سياحية متقدمة وتقديم خدمات سياحية متنوعة تلبي احتياجات السياح. يمكن أن يشمل ذلك بناء فنادق، مطاعم، ومحلات تجارية موجهة للسياح.
تعزيز المنتجات والحرف اليدوية المحلية كجزء من التجربة السياحية، مما يساعد على الحفاظ على بعض الجوانب التقليدية وتعزيز الاقتصاد المحلي.
التكيف الثقافي:
المجتمعات قد تتبنى استراتيجيات للحفاظ على تراثها الثقافي رغم التأثيرات الخارجية، مثل إنشاء متاحف ومراكز ثقافية تركز على التعليم ونقل التراث الثقافي للأجيال القادمة.
يمكن أن تشمل هذه الاستراتيجيات إقامة فعاليات ثقافية تقليدية بشكل دوري، موجهة للسكان المحليين وكذلك السياح، لتعزيز الفخر بالتراث المحلي.
التكيف الاجتماعي:
التوعية بأهمية الحفاظ على الهوية الثقافية يمكن أن تساعد المجتمعات في التكيف مع التغيرات الاجتماعية. يمكن أن تشمل هذه التوعية برامج تعليمية وورش عمل تركز على تعزيز الفهم المتبادل بين السكان المحليين والسياح.
يشكل السياح في” بالي”، جزءاً كبيراً من الاقتصاد المحلي، مما دفع بالسكان المحليين إلى التكيف بطرق متعددة. السكان المحليون يقدمون عروضاً يومية للرقصات التقليدية، التي كانت في الأصل جزءاً من الطقوس الدينية، الآن أصبحت جزءً من العروض السياحية.
التحديات العالمية:
مع ظهور المخاطر العالمية مثل الإرهاب والجائحة، تواجه الأنثروبولوجيا تحديات كبيرة. سؤال رئيسي يبرز: كيف يمكن للأنثروبولوجيين دراسة السياحة في عالم بدون سياح؟ هذا يبرز أهمية تطوير مناهج جديدة تعتمد على التقنيات الرقمية والإثنوغرافيا الافتراضية. على سبيل المثال، يمكن للأنثروبولوجيين استخدام الواقع الافتراضي لدراسة التفاعلات السياحية في بيئات افتراضية، مما يتيح لهم جمع البيانات وتحليلها دون الحاجة للتواجد الجسدي في المكان.
الأزمات العالمية مثل جائحة كوفيد-19، التي قيدت التنقل والسفر، أبرزت الحاجة إلى استخدام تقنيات رقمية لمواصلة البحث الأنثروبولوجي دون الحاجة للتواجد الفعلي في المواقع السياحية. لقد ساعد استخدام التقنيات الرقمية في التغلب على القيود المكانية والزمانية، مما يتيح جمع البيانات وتحليلها بشكل مستمر وفعال.
التكنولوجيا وتجربة السياحة:
أحد التحديات الكبرى هو كيفية دراسة السياحة في عالم يتغير بسرعة. كيف يمكن للأنثروبولوجيا السياحية فهم تأثير التكنولوجيا على تجربة السياحة؟ يمكن للأنثروبولوجيين دراسة كيف يستخدم السياح التقنيات الحديثة مثل التطبيقات والواقع الافتراضي لتحسين تجربتهم السياحية (جريتزل وآخرون، 2015؛ توسياديا وفيسنماير، 2009).
فالتقنيات الرقمية تتيح جمع وتحليل كميات كبيرة من البيانات بطرق لم تكن ممكنة من قبل. يمكن استخدام التحليلات الكبيرة لفهم الأنماط والتوجهات في سلوك السياح وتأثيراتهم على المجتمعات المحلية. تتيح الإثنوغرافيا الافتراضية للباحثين مراقبة التفاعلات السياحية في البيئات الرقمية، مثل المواقع الإلكترونية ومنصات التواصل الاجتماعي، مما يوفر رؤى أعمق وأكثر تنوعاً.
كذلك، استخدام تقنيات مثل الواقع الافتراضي (Virtual Reality) يمكن للباحثين إنشاء تجارب افتراضية تمكنهم من دراسة المواقع السياحية والتفاعل مع الثقافات المختلفة دون الحاجة للسفر الفعلي. هذه التقنيات تتيح مشاركة أكبر من قبل المجتمعات المحلية والسياح في عملية البحث، مما يعزز الفهم المتبادل ويساعد على تطوير استراتيجيات سياحية أكثر استدامة وإنصافًا.
ومن الضروري توفير برامج تدريبية للباحثين في الأنثروبولوجيا السياحية لتعريفهم بأحدث التقنيات والأدوات الرقمية. يجب أن تشمل هذه البرامج تدريباً على استخدام البرمجيات التحليلية وتقنيات الواقع الافتراضي. فالاستثمار في تطوير تقنيات وأدوات جديدة تتيح جمع وتحليل البيانات بشكل أكثر فعالية ودقة.
خاتمة:
تُعد الأنثروبولوجيا السياحية أداةً حيويةً لفهم العلاقات الثقافية المعقدة والتغيرات الاجتماعية التي تحدث نتيجة لتفاعل السياح مع المجتمعات المحلية. من خلال تحليل السياحة كأداة اجتماعية، وتناول مفهوم “الأصالة المسرحية”، ودراسة تأثير التكنولوجيا الحديثة، يسلط هذا الملف الضوء على التحديات والفرص التي تطرحها السياحة في القرن الحادي والعشرين.
لقد أبرزت جائحة كوفيد-19 أهمية تبني التقنيات الرقمية والإثنوغرافيا الافتراضية لدراسة التفاعلات السياحية في بيئات افتراضية، مما يفتح آفاقًا جديدة لفهم تأثير السياحة على المجتمعات المحلية في ظل العولمة المتسارعة. بالإضافة إلى ذلك، يوضح الملف كيفية تأثير التدفق الكبير للسياح على التقاليد والعادات المحلية، ويقدم استراتيجيات لتكيف المجتمعات مع هذه التغيرات.
إن الحفاظ على التراث الثقافي وتعزيز التفاهم بين الثقافات يعدان من أهم أهداف الأنثروبولوجيا السياحية، والتي ستظل تلعب دورًا مهمًا في تعزيز الوحدة والتفاهم الاجتماعي بين الثقافات المختلفة في عالم متغير. من خلال تبني مناهج جديدة ومبتكرة، يمكن للأنثروبولوجيا السياحية أن تقدم رؤى قيمة لتحسين تجربة السياحة وتعزيز الروابط الإنسانية بين المجتمعات.
الهوامش
[1] الأنثروبولوجيا (Anthropology) هي علم دراسة الإنسان، الذي يبحث في تطور الإنسان وتنوعه عبر الزمن والمكان. يشمل هذا العلم دراسة الثقافات والمجتمعات البشرية، وأصول الإنسان، وتطوره البيولوجي، والتغيرات التي طرأت على أساليب حياته. الأنثروبولوجيا تعتمد على منهجيات متعددة تشمل البحث الميداني والمقارنة الثقافية والتحليل البيولوجي والأثري لفهم السلوكيات البشرية والتطورات التاريخية والاجتماعية التي شكلت البشرية عبر العصور.
[2] يشير مفهوم “الآخر” في الأنثروبولوجيا والثقافة إلى الأشخاص أو المجموعات التي تُعتبر مختلفة عن الذات أو الجماعة الأساسية. في السياق السياحي، يمكن أن يُنظر إلى “الآخر” على أنه السكان المحليون أو الثقافات التي يزورها السياح، والتي قد تكون غير مألوفة أو غريبة عنهم. العولمة، بتسارعها للتغيرات الثقافية وتدفق المعلومات والأشخاص بين الدول، أدت إلى تغيير النظرة إلى “الآخر”. بدلاً من أن يكون “الآخر” موضوعًا للفضول أو الخوف، أصبح يُنظر إليه على أنه جزء من مجتمع عالمي مترابط يمكن التعرف عليه والتفاعل معه بطرق أكثر تعقيدًا وإنسانية.
[3] التعددية الثقافية تعني الاعتراف بتنوع الثقافات داخل المجتمع الواحد وقبولها والتعايش معها. في السياق السياحي والأنثروبولوجي، يشير هذا المفهوم إلى القدرة على احترام وفهم الثقافات المختلفة دون محاولة فرض ثقافة واحدة على الجميع. بفعل العولمة، أصبح التفاعل بين الثقافات المختلفة أكثر شيوعًا وضرورة. التعددية الثقافية تبرز كفكرة محورية في هذا السياق، حيث تشجع على التعايش والتفاعل الإيجابي بين الثقافات المتنوعة، وتتيح للأفراد فرصة تعلم واحترام العادات والتقاليد المختلفة.
المصادر
- أبادوراي، أ. (1996). الحداثة بشكل عام: الأبعاد الثقافية للعولمة. مطبعة جامعة مينيسوتا.
- بورستين، دي جي (1964). الصورة: دليل للأحداث الزائفة في أمريكا. هاربر ورو.
- بوشر، إم، أوري، جيه، ويتشجر، ك. (2011). طرق المحمول. روتليدج.
- كليفورد، ج. (1988). مأزق الثقافة: الإثنوغرافيا والأدب والفن في القرن العشرين. مطبعة جامعة هارفارد.
- كوهين، إي. (1988). “التقاليد في علم الاجتماع النوعي للسياحة”. حوليات البحوث السياحية، 15(1)، 29-46.
- جريتزل، يو، سيغالا، إم، شيانغ، زد، وكو، سي. (2015). “السياحة الذكية: الأسس والتطورات”. الأسواق الإلكترونية، 25(3)، 179-188.
- هانام، ك.، شيلر، م.، وأوري، ج. (2006). “التنقلات والثبات والمراسي”. التنقلات، 1(1)، 1-22.
- ماك كانيل، د. (1976). السائح: نظرية جديدة لطبقة الترفيه. كتب شوكن.
- توسياديا، آي بي، وفيسينماير، دي آر (2009). “توسط التجارب السياحية: الوصول إلى الأماكن عبر مقاطع الفيديو المشتركة”. حوليات البحوث السياحية، 36(1)، 24-40.
- أوري، ج. (1990). النظرة السياحية: الترفيه والسفر في المجتمعات المعاصرة. منشورات سيج.
أقرا ايضاً “الذكاء الاصطناعي يغير معالم السياحة
e-onepress.com
الوقت المقدر للقراءة 17 دقائق