السياحة في الأردن واحدة من أبرز محركات التنمية الاقتصادية والاجتماعية، حيث تتميز المملكة بتاريخ غني ومعالم طبيعية فريدة تجذب ملايين السياح من جميع أنحاء العالم. ومع ذلك، فإن النجاح الذي حققته السياحة في تعزيز الاقتصاد الوطني يصاحبه تحديات اجتماعية واقتصادية. تعكس التفاوت بين المناطق السياحية المزدهرة والمجتمعات المهمشة، سواء في المدن الكبرى أو المناطق الريفية.
في هذا السياق، من الضروري التوسع في مناقشة العلاقة بين السياحة والتنمية الشاملة، مع تسليط الضوء على كيفية تحقيق التوازن بين تعزيز السياحة وضمان العدالة الاجتماعية (Social Justice) ودعم المجتمعات المحلية (Local Communities).
أهمية السياحة في الاقتصاد الأردني
تعتبر السياحة من القطاعات الاقتصادية الحيوية في الأردن، حيث تساهم بحوالي 13% من الناتج المحلي الإجمالي (GDP). فالمواقع السياحية مثل: البتراء، والبحر الميت، ووادي رم تعد من أبرز الوجهات التي تجذب السياح الباحثين عن تجارب فريدة تجمع بين التاريخ والطبيعة.
إلى جانب ذلك، يشكل قطاع السياحة مصدر دخل أساسي لآلاف الأردنيين، سواء كان ذلك من خلال الوظائف المباشرة في الفنادق والمطاعم، وشركات السياحة، أو من خلال الوظائف غير المباشرة المرتبطة بالخدمات والمشاريع الصغيرة. ورغم هذه الإيجابيات، فإن الفوائد الاقتصادية غالباً ما تتركز في المناطق السياحية الرئيسية، والشركات الكبرى، مما يترك المجتمعات المحلية، خصوصاً في المناطق الريفية، خارج دائرة الاستفادة الكاملة.
التفاوت الاجتماعي في المدن السياحية
التفاوت الاجتماعي (Social Inequality) واحد من أبرز التحديات المرتبطة بالسياحة في الأردن. فالمدن الكبرى مثل عمّان والعقبة تظهر تبايناً واضحاً بين المناطق المزدهرة اقتصادياً والأحياء التي تعاني من نقص في الخدمات.
في عمّان، تظهر المناطق الراقية مثل: عبدون والصويفية ازدهاراً ملحوظاً بفضل الاستثمارات السياحية، وفي حين تعاني الأحياء الشعبية مثل: جبل النصر وماركا من ارتفاع معدلات البطالة ونقص فرص العمل.
في العقبة، رغم كونها مركز سياحي رئيسي، فإن العديد من السكان المحليين يجدون صعوبة في الحصول على فرص عمل مستقرة أو تحقيق استفادة مباشرة من النشاط السياحي. ويؤدي هذا التفاوت إلى تعزيز الإحساس بالتهميش بين المجتمعات المحلية. وعلاوة على ذلك، يؤثر هذا التفاوت على صورة القطاع السياحي بشكل عام، حيث يمكن أن ينظر إليه على أنه غير شامل أو موجه فقط لفئات معينة.
“نموذج الفقاعة” السياحي في الأردن
غالباً ما يتم تبني “نموذج الفقاعة” (Bubble Model) في السياحة الأردنية، حيث يتم عزل السياح عن السكان المحليين. بهدف توفير بيئة آمنة ومريحة. ففي هذا النموذج، يحاط الزوار بفقاعة من الخدمات الفاخرة التي تبعدهم عن الواقع المحلي. على سبيل المثال:
منتجعات البحر الميت: تقدم تجربة سياحية حصرية. حيث يعيش الزوار في منتجعات مغلقة تتمتع بأقصى درجات الراحة. لكن هذا النموذج يحد من التفاعل الثقافي بين السياح والمجتمعات المحلية المحيطة.
وادي رم: على الرغم أن المنطقة وجهة سياحية رئيسية لسياحة المغامرات (Adventure Tourism). إلا أن السكان المحليين غالباً ما يشاركون في الأنشطة السياحية كموظفين بدلاً من أصحاب مشاريع.
يؤدي هذا النموذج إلى تقليص الفرص الاقتصادية للسكان المحليين، ويضعف الروابط الثقافية والاجتماعية بين الزوار والمجتمع المحلي.
الهامشية في الأماكن العامة
تشهد المدن الكبرى في الأردن، مثل عمّان والزرقاء. وجود فئات مهمشة تعيش وتعمل في الأماكن العامة (Public Spaces). فمحطات الحافلات والأسواق الشعبية تعتبر فضاءات تجمع لهذه الفئات. التي غالباً ما تكون غير مدرجة في خطط التنمية السياحية. أما الأسواق التقليدية في وسط عمّان، مثل: سوق البخاري. تظهر مزيجاً من الحراك الاقتصادي المحلي والهامشي، حيث يعتمد الباعة على السياح كوسيلة لتحقيق الدخل.
مع ذلك، تعاني هذه الأماكن من نقص التنظيم والدعم الحكومي. وبدلاً من تعزيز هذه الأسواق كوجهات سياحية، تترك لتواجه تحديات اقتصادية واجتماعية كبيرة.
التحديات في المناطق الريفية
في المناطق الريفية، مثل: القرى المحيطة بالبتراء ووادي رم. يعاني سكانها المحليون من ضعف البنية التحتية ونقص الفرص الاقتصادية. ويعتمد العديد منهم على العمل الموسمي في السياحة، وهو ما يجعلهم عرضة لتقلبات السوق. فالأزمات العالمية، مثل جائحة كوفيد-19، كشفت هشاشة هذا النظام الاقتصادي. حيث توقف العديد من سكان هذه المناطق عن العمل نتيجة لتوقف السياحة.
إضافةً إلى ذلك، يعانون من نقص التمويل للمشاريع الصغيرة التي قد تساعدهم في تحسين أوضاعهم الاقتصادية وتعزيز مشاركتهم في النشاط السياحي.
تسليع الثقافة المحلية
تعتبر الثقافة المحلية (Local Culture) أحد أهم عوامل الجذب السياحي في الأردن، حيث تقدم عروضاً ثقافية تقليدية مثل: الرقصات البدوية والطعام المحلي. وعلى الرغم من أهمية هذه العروض، فإن المجتمعات التي تمثل هذه الثقافة غالباً لا تحصل على الاستفادة الاقتصادية المباشرة. وبدلاً من ذلك، تستخدم هذه العروض كجزء من استراتيجية تسويقية تركز على جذب السياح، مما يعزز الاستغلال الثقافي (Cultural Exploitation).
نحو سياسات سياحية شاملة
لتعزيز الاستفادة من قطاع السياحة وضمان تحقيق التنمية الشاملة، يجب اتخاذ خطوات استراتيجية تشمل:
التعليم والتدريب المهني:
إنشاء برامج تدريبية متخصصة في مجال السياحة لسكان المناطق الريفية والمهمشة. هذه البرامج ستُساعد في تطوير القدرات وزيادة فرص العمل.
دعم المشاريع الصغيرة:
تقديم التمويل والدعم الفني للمشاريع السياحية الصغيرة (Small Tourism Enterprises) التي يديرها السكان المحليون.
تحسين البنية التحتية:
تطوير الطرق والخدمات العامة في المناطق المهمشة، بما يعزز من جاذبية هذه المناطق للسياحة.
تعزيز التفاعل الثقافي:
تنظيم برامج تُشجع السياح على التفاعل مع المجتمعات المحلية، مما يُعزز التفاهم الثقافي (Cultural Understanding) ، ويُحقق الفائدة للجميع.
الاستدامة السياحية:
اعتماد سياسات تُركز على الاستدامة (Sustainability)، بحيث يتم تحقيق التوازن بين احتياجات السياح وحماية حقوق السكان المحليين والبيئة.
خاتمة
تُوفر السياحة في الأردن فرصاً اقتصادية هائلة، لكنها تواجه تحديات تتعلق بالعدالة الاجتماعية والاندماج المجتمعي. فمن خلال تبني سياسات شاملة تُركز على التوازن بين تنمية القطاع السياحي ودعم المجتمعات المحلية، يمكن للأردن أن يصبح نموذجاً يُحتذى به في السياحة المستدامة. وبهذه الطريقة، ستتحول السياحة إلى أداة للتنمية الحقيقية تُساهم في تحسين حياة الجميع، وليس فقط لشريحة محدودة من السكان.
اقرا ايضاً السياحة المتطرفة و الذكاء الاصطناعي يغير معالم السياحة
e-onepress.com
Estimated reading time: 7 دقائق