تشير الاكتشاف في المواقع الأثرية إلى أن التجارة كانت موجودة في عصور ما قبل التاريخ. ولطالما عززت التجارة من نمو المجتمعات البشرية، ووفرت السوق كأهم مكان لاجتماع للبشرية. وهنالك أدلة واضحة على التجارة للمسافات طويلة تعود إلى ما لا يقل عن 9000 عام. أو ربما تعود إلى أبعد من ذلك بكثير إلى فترة تدجين حيوانات الدواب واختراع السفن.
حركة المرور المنقولة فوق الماء: 3000-1000 قبل الميلاد
منذ القدم اعتبرت حركة النقل فوق الماء عن طريق البحار والانهار من أسهل طرق نقل البضائع. وكانت أول طرق التجارة الواسعة عبر انهار النيل، ودجلة، والفرات، ونهرالسند، والنهر الأصفر التي أصبحت بمثابة العمود الفقري للحضارات القديمة. وبسبب التجارة الساحلية أدى لتوسع نطاق الاتصال البشري. وتعزيز الثروة، واعتبرت منطقة شرق البحر الأبيض المتوسط المنطقة الأولى التي تطورت بها التجارة البحرية بين مصر و جزر اليونان.
السفن الفينيقيية
ابحرت السفن الفينيقيية غرباً عبر سلسلة جزر البحر الأبيض المتوسط، وعلى طول الساحل الشمالي الأفريقي. وحملت هذه السفن بضائع الفنيقيين من السلع الفاخرة، وصدرت عليها خشب الأرز عالي الجودة. ولم يقتصر عمل الفنيقيين على بناء السفن بل قاموا بنحتها أيضاً. وتم تكييف نفس المهارة في العاج الأكثر قيمة. وتُكمل الصبغة النادرة والمكلفة من أرجوان صور، والكتان الفاخر، واشتهرت في المنطقة اعمال المعادن وخاصة الذهب. وأما مدينتي صور وصيدا اشتهرتا بزجاجهما النقي.
أسرة هان الشرقية
وبالعودة إلى ما يقرب من 2000 عام. وخلال عهد أسرة هان الشرقية في الصين نقلت السلع عبر البحر باستخدام طريق بحري يقود من مصب النهر الأحمر (الصين) ليعبر بالقرب من هانوي (عاصمة فيتنام حاليا)، وليمر عبر مضيق ملقا (يعتبر مضيق ملقا حلقة وصل بين كلٍّ من الصين واليابان وتايلاند والهند وإندونيسيا وسنغافورة وتايون وجنوب كوريا) إلى جنوب شرق آسيا وسريلانكا والهند. ومن ثم إلى الخليج العربي والبحر الأحمر ليصل في نهاية المطاف الى مملكة أكسوم (إثيوبيا الشمالية ) على البحر الأحمر والموانئ الرومانية، ومن الموانئ على البحر الأحمر تم نقل البضائع بما في ذلك الحرير براً إلى النيل ثم إلى الإسكندرية حيث تم شحنها إلى روما والقسطنطينية وموانئ البحر الأبيض المتوسط الأخرى. وهنالك فرع آخر من هذه الطرق البحرية إلى أسفل ساحل شرق إفريقيا أطلق عليه الإغريق والرومان اسم أزانيا في القرن الأول الميلادي.
التجارة البحرية المصرية
أما بالنسبة للتجارة البحرية المصرية. فقد كان بناء السفن معروفاً عند قدماء المصريين منذ 3000 قبل الميلاد. وربما قبل ذلك حيث ثبت أن قدماء المصريين كانوا يعرفون كيفية تجميع الألواح الخشبية في جسم السفينة باستخدام أحزمة منسوجة تستخدم لربط الألواح ببعضها البعض. وساعد القصب أو العشب المحشو بين الألواح في سد الفراغات. ويذكر ما يسمى بحجر باليرمو أن الملك سنفرو من الأسرة الرابعة أرسل سفينة لاستيراد أرز عالي الجودة من لبنان. وفي أحد مشاهد هرم الفرعون ساحورع من الأسرة الخامسة يعود المصريون بأشجار أرز ضخمة. وتم العثور على اسم ساحورع مختوماً على قطعة رقيقة من الذهب على كرسي لبناني. وعُثر على خراطيش من الأسرة الخامسة في الأواني الحجرية اللبنانية. وبالإضافة إلى ذلك فإن فكرة القناة الغربية والشرقية هي فكرة قديمة حيث الأدلة تشير إلى وجود قناة قديمة في القرن الثالث عشر قبل الميلاد – في عهد رمسيس الثاني.
القافلة: من 1000 قبل الميلاد.
بقدوم الألفية الرابعة قبل الميلاد كان الشحن منتشرا. وكانت قوافل الجمال تنقل البضائع الثمينة إلى الساحل الغربي للجزيرة العربية، وتربط الهند بمصر، وفينيقيا وبلاد ما بين النهرين. وفي المناطق الجافة في شمال إفريقيا وآسيا. أصبح نوعان مختلفان من الإبل وهي من أهم الحيوانات التي تحمل العبء كالجمل العربي أحادي الحدب (في شمال إفريقيا والشرق الأوسط والهند). والإبل ذو السنامين المزدوجة (آسيا الوسطى ، منغوليا)، وكلاهما يتكيف بشكل جيد مع الظروف الصحراوية. ويمكنهم الحصول على الماء من الدهون المخزنة في حدباتهم. ومن المحتمل أنه تم تدجين هذه الأبل لأول مرة في الجزيرة العربية، وبحلول عام 1000 قبل الميلاد.
قوافل الجمال
كانت قوافل الجمال تنقل البضائع الثمينة إلى الساحل الغربي للجزيرة العربية. وتربط الهند بمصر، وفينيقيا، وبلاد ما بين النهرين. وجلب هذا الطريق التجاري الازدهار إلى البتراء. وهي معقل طبيعي يقع شمال خليج العقبة مباشرة على الطريق من البحر الأحمر إلى ساحل البحر الأبيض المتوسط. وسكنها الأدوميين حوالي 1000 قبل الميلاد. وفي القرن الرابع قبل الميلاد تم تهجير الأدوميين من قبل قبيلة عربية تدعى الأنباط. وسرعان ما دخلوا في صراع مع جيرانهم الجدد في بلاد ما بين النهرين، السلوقيين اليونانيين الذين كانت لديهم مصلحة في تحويل التجارة عن خليج العقبة.
الحكم الروماني
الا انه في ظل الحكم الروماني انخفض موقع البتراء كمركز تجاري بسبب الاتجاه الى طرق التجارة البحرية. وفي عام 363 دمر زلزال العديد من المباني، وشل نظام إدارة المياه الحيوي فيها. وكانت البتراء مثيرة للفضول فيما بعد وزارها السلطان بيبرس سلطان مصر في نهاية القرن الثالث عشر، وأول أوروبي وصفها يوهان لودفيج بوركهارت عام 1812 الذي تحول اسمه الى إبراهيم بن عبد الله بعد أن أسلم .
طرق جديدة باتجاه الغرب: من 300 قبل الميلاد.
شجع وجود اليونانيين في بلاد ما بين النهرين وشرق البحر الأبيض المتوسط على انشاء طريق تجاري لتسهيل نقل البضائع إلى اليونان وما ورأها. حيث كانت مدينة انطاكيه مهمة للتجارة في ذلك الوقت، وكان يتم تنزيل البضاعة التي كانت تصل الى انطاكية عبر القوافل من بلاد ما بين النهرين ومن ثم يتم وضعها على متن السفن التي كانت تبحر من ميناء انطاكية الذي سمي بسلوقية.
أنطاكية وسلوقية
شجع وجود اليونانيين في بلاد ما بين النهرين وشرق البحر الأبيض المتوسط على وجود طريق تجاري جديد لتسهيل نقل البضائع إلى اليونان وما وراءها، وجد سيليوكوس في عام 300 قبل الميلاد مدينة في الطرف الشمالي الشرقي من البحر الأبيض المتوسط أطلق عليها اسم أنطاكية تكريما لوالده أنطيوخس. وسمي مينائها الواقع عند مصب النهر على اسم سلوقس – سلوقية. وهنا كان يتم وضع البضائع على متن السفينة بعد وصولها في قوافل من بلاد ما بين النهرين.
وبدأت رحلة تجارية في مدينة جديدة أخرى كانت تسمى أيضاً سلوقية أسسها سلوقس عام 312 قبل الميلاد كعاصمة لإمبراطوريته. وكانت تعد موقع مثالي للتجارة لوقعها عند النقطة التي ترتبط فيها قناة من نهر الفرات بنهر دجلة.
الإسكندر الأكبر
تاريخياً، يُقال إن الإسكندر الأكبر قد أقام معسكراً في موقع أنطاكية ، وخصص مذبحاً لزيوس بوتيوس الي كان يقع في الشمال الغربي من المدينة المستقبلية، وتم العثور على هذا فقط في كتابات ليبانيوس وهو خطيب من القرن الرابع الميلادي من أنطاكية ، وقد يكون أسطورة تهدف إلى تعزيز مكانة أنطاكية. لكن القصة ليست مستبعدة في حد ذاتها. وبعد وفاة الإسكندر عام 323 قبل الميلاد ، قسم جنرالاته الأراضي التي احتلها.
العصر الهلنستي
في العصر الهلنستي أصبحت أنطاكية “مدينة جديدة” وكان يسكنها مزيج من المستوطنين المحليين الذين جلبهم الأثينيون من مدينة أنتيغونيا القريبة والمقدونيين واليهود (الذين حصلوا على مكانة كاملة منذ البداية). فضل الأباطرة الرومان المدينة منذ البداية حيث رأوها عاصمة أكثر ملاءمة من الإسكندرية للجزء الشرقي من الإمبراطورية بسبب موقع مصر المنعزل. و إلى حد ما حاولوا جعلها روما الشرقية، وزارها يوليوس قيصر بنفسه عام 47 قبل الميلاد وأكد حريتها.
يتبع في الحلقة الثانية
اقرأ ايضاً رحلة التجارة من المقايضة إلى الهاتف المحمول
الوقت المقدر للقراءة 8 دقائق
[…] […]
[…] […]